منذ /05-11-2006, 02:41 PM
|
#15
|
بنوتة مبتدئة
|
" انتبهوا .. انتبهوا .. شركة إيرفرانس .. الرحلة رقم 108 إلى باريس.. "
نهضالجالسون في قاعة الانتظار في مطار هيثرو وتقاطروا متحهين إلى الباب ينشدون الطائرهالتي ستقلهم إلى باريس.
وتناولت هيلاري كرافن حقيبه سفرها الصغيرهالحجم وانضمت إلى موكب المسافرين .
كان الجو باردا لاذعا في ساحة المطار وشدتهيلاري معطفها الفراء حول عنقها تقي نفسها لسعات البرد وهي تتبع المسافرين إلى حيثتستقر الطائره.
إذن فقد انتهى الأمر ، هاهي ذي منطلقة هاربه بعيدا عن الاكتئاب والبردوالبؤس المميت . هاربه إلى الشمس المشرقة والسماء الزرقاء الصافيه، إلى حياة دافقه .. وستطرح وراءها كل الهموم والأثقال، هذه الهموم المتسمه بالبؤسوالقلق.
وتابعت طريقها إلى ممر الطائره واستقرت على المقعد الذي أرشدتها إليهالمضيفه .
ولأول مره منذ شهور خالجها شعور بالراحة من العذاب الذي أمضّها بقسوة حتىلقد احست منه بما يشبه الألم الجسماني .
تمتمت تحدث نفسها في امل ورجاء :
- سأهرب، سأبتعد ، نعم سأبتعد !
وانتزعها من خواطرها هدير الطائرة الصاخبولكنها مالبثت ان عادت تردد في نفسها :
- الآن سأذهب وابتعد .
وبدأتالطائره تنزلق على ارض الممر ، وقد شد المسافرون احزمة الوقاية على بطونهم . ودارتالطائره نصف دورة في ساحة المطار ثم توقفت تنتظر إشارةالرحيل.
وخطر لها:
- مايدريني لعل الطائرة قد تتحطم ، وعندها قد تكون تلك النهاية ، الحلالموفق لكل شيء.
وخيل إليها انهم انتظروا في ساحة المطار وقتا طويلا لا ينتهي مترقبينإشاره الرحيل إلى الحريه.
وهمست تخاطب نفسها :
- يبدوأنني لن اسافر أبدا وسأظل هنا حبيسة لا استطيعالفرار.
واخيرا هدرت المحركات من جديد وبدأت الطائره تجري على الممر الممهدالمرصوف .. أسرع ثم اسرع .
- ولكن من يدري .. ربما لن تعلو في الجو .. أتكون هذه إذن هي النهايه؟!
ولكن الطائره اخذت تعلو في الجو وبدأوايبتعدون عن سطح الأرض .. وبدا كل شيء صغيرا ضئيلا حتى الهموم تضاءلت وانكمشت وحتىالقلق تبدد وتوارى وبدت الأبنية والسيارات وكأنها لعب اطفال .
والآنكانوا فوق السحب البيضاء ، المشوبه بمسحه رماديه .. لا بد انهم الآن فوق القنالالانجليزي.
وارخت هيلاري جفونها واطبقت عينيها ، واسندت رأسها إلى ظهرالمقعد.
الهرب، الهرب .. فها هي ذي قد غادرت إنجلترا إلى غير رجعه ، هاهي ذي قدتركت خلفها نايجل وتركت خلفها تلك البقعه الحزينه المقبضه التي هي قبر بريندا.
كل ذلكتركته خلفها ، بعيدا ، بعيدا.
وفتحت هيلاري عينيها ثم عادت تطبقهما مرهاخرى ثم مالبث النعاس ان طغى عليها واستغرقت في النوم .
******
وعندما صحت هيلاري من نومها كانت الطائره في طريقها إلى الهبوط .. لابداذن انهم وصلوا باريس ..
وزايلت كرسيها وحملت حقيبتها ونزلت منالطائره إلى سيارة المطار ولكنها لم تكن باريس تلك التي نزلوا فيها .
اتتالمضيفه الجويه إلى السياره وتحدثت إليهم بذلك الصوت الناعم الحنون المأثور عنالمضيفات :
- لقد اضطررنا أن نهبط في بوفيه لأن الضباب كثيف فيباريس.
ونظرت هيلاري من وراء زجاج السياره لكن الرؤيه كادت تستحيل عليها فقدكانت بوفيه هي الأخرى غارقة في الضباب. وتوقفت بهم السياره امام مبنى خشبي عتيق ليسفيه إلا بضعة مقاعدوأرائك من الخشب.
وطغى على هيلاري شعور بالانقبائ حاولت انتدفعه عن نفسها ، وغمغم الرجل الجالس قربها :
- إنه مطار حربي قديم بلا تدفئه ولا شيء منوسائل الراحه، ولكن ما احسل وهم فرنسيون ان يبخلوا علينابالشراب.
ونطق الرجل حقا ، فما هي إلا لحظات حتى اتى مضيف يدور عليهم بأقداحالشراب.
وتتابعت الساعات دون ان يقع جديد، فيما عدى طائرات تنبثق متتابعه مناستار الضباب وتحط متزاحمه على ارض المطار الصغير وتكدست القاعه بمسافرين حانقينمتذمرين من التأخير الذي طرأ على رحلاتهم.
واخيرا عندما هبط الليل اتت سياراتالأوتوبيس لتحمل المسافرين إلى باريس.
كانت رحله ممله مضجره انحشر الركاب فيالسيارات اربع ساعات إلى ان شارفوا ضواحي باريس فبلغوها وقد انتصف الليل .
واسعدهيلاري ان تحمل حقيبتها وتستقل تاكسيا وتمضي إلى فندق حجزت لها فيه احدى الغرف ،وكانت متعبه مكدوده، تهفو إلى حمام ساخن تلوذ بعدهبالفراش.
وكان مقررا ان تبرح الطائره المسافره إلى كازابلانكا مطار اورلي فيالعاشره والنصف من صباح اليوم التالي ، بيد ان مطار اورلي في ذلك الصباح المعهودكان خليه من الفوضى والارتباك: مسافرون يروحون ويغدون ، موظفون يدخلون ويخرجون،حمالون يذهبون ويجيئون والطائرات مرصوصه على ارض المطار مكدسه متزاحمه إذ كان هناكتأخير في مواعيد السفر بسبب الضباب.
وقال لها موظف الاستعلامات :
- مستحيليا سيدتي ان تسافري على الطائره التي سبق ان حجزت لنفسك فيها مقعدا فأرجوك انتنتظري في قاعة الاستراحه حتى يخلو مقعد في طائرهاخرى.
وعلىمضض مضت إلى قاعة الانتظار ترقب مقعدا يخلو لتجلس عليه .
وبعدساعة قيل لها ان هناك مقعدا خاليا بالطائره المسافره إلى داكار، وفي الطريق إليهاتهبط في كازابلانكا وإن كانت سوف تصل إليها متأخره ثلاث ساعات عن الموعد الذي كانتترجوه.
قالالموظف : هذا كل ما استطيع فعله لأجلك سيدتي .
وتقبلت هيلاري كرافن المقعد المعروض عليهابغير تذمر او احتجاج دون ان تتشبث بالمقعد الذي سبق ان حجزته على الطائره الأصليهإلى كازابلانكا.
وحين هبطت في كازابلانكا همس الخمال الذي اخذحقائبها:
- إنك لمحظوظه يا سيدتي أن اتيت بهذه الطائره الإضافيه بدلا من طائرة كازبلانكاالأصليه التي كان مفروضا ان تصل قبل هذه فإنها قد تحطمت ومات طاقمها ومعظم الركاب،فلم يبق منهم على قيد الحياة إلا اربعه اشخاص او خمسه نقلوا إلى المستشفى مصابينبإصابات جسيمه.
كان اول رد فعل في نفسها أن طغى عليها شعور جارف بالغضب وعلى غير وعيمنها اصطخب داويا في رأسها هذا السؤال:
- ياإلهي لم لم اكن انا في هذه الطائره؟ لوإني كنت فيها لانتهى كل شيء. لا قلق ولا احزان ولا هموم. ألا ليتني كنت فيها. إنالذين استقلوا هذه الطائره كانوا متشبثين بالحياة أما انا فلكم كنت ارحب بالموت .
وانهتإجراءاتها الجمركيه في دقائق قليله ومضت إلى إحدى سيارات التاكسي ذاهبه إلى فندقها. وفي غرفتها فتحت النوافذ واطلت على المدينه .. كانت السماء زرقاء صافيه والشمسمشرقة فياضة بالضوء.
كان هذا ماترجوه .. كانت هذه هي الحياة التي سعت إليها .. الفرار .. الهرب ، بعيدا عن انجلترا. بيد انه في هذه اللحظه اعتصرت قلبها يد باردة ساحقه فقدادركت في صدمه هزت كيانها ان الأمر هنا لا يختلف عما كان في انجلترا ، لا مهرب ولافرار.
كانقبر بريندا في انجلترا والماضي يجري في اعقابها ولا شيء يمكن ان يجعلهاتنسى.
إنالخلاص الوحيد في حبوب منومه تفرغ منها في احشائها قنينهكامله.
وانبعثت واقفه وقد استقر رأيها على ان تبادر إلى الصيدليه، ففيها شفاؤهامن المتاعب والهموم والأحزان.
ومضت إلى الخارج مسرعه كي تعود بما يجعلهاتنام تلك النومه الأبديه المريحه التي تهفو إليها ..
*****
سبحـان الله وبحمده .. .. سبحان الله العظيم
|
|
|
|