•••
وقف أمامـ نافذة غرفته ، فتحها ، ليتسلل نسيمـ الليل العليل الذي أخذ
يداعب خصلات شعره البني الناعمـ .
نظر بعينيه العسليتين إلى القمر الذي شارك السماء شيئًا من نوره الضئيل ،
ابتسمـ في شرود ، تنهّد قليلاً ، انصرف من عند النافذة ليتركها مفتوحة ..
جلس على القعد الذي أمامـ مكتب غرفته ، أخرج من حقيبته دفترًا وكتابًا ،
فتحه ، لتظهر على صفحاته مسائلٌ رياضيةٌ ومعادلاتٌ ..
فتح كلاً من الدفتر والكتاب ، أمسك قلمه ، وأخذ يحلُ شيئًا من مسائل الحساب .
بدا أنه منسجمـٌ مع تلك المسائل الحسابية ، كمن يستمتع بحلّها .
التفت إلى خلفه موجّهًا أبصاره إلى الساعة التي عُلّقت بالحائط خلفًا ، ليجد
أن ساعةً ونصف قد مرّت على بدئه حلّ تلك المسائل ..
أغلق الكتاب والدفتر ، وضعهما جانبًا ، ليُخرج كتابًا آخرًا به مسائلٌ أيضًا ،
إلاّ أن تلك المسائل كانت تتعلّق بالسرعة والتردد والمسافة ، فقد كان الكتاب الذي
أمامه لمادة الفيزياء .
مرت بضع دقائق ، علا صوت خطواتٍ بدت أنها آتيةٌ إلى غرفته ،
طُرِقَ الباب بقوةٍ طرقاتٍ أزعجته كثيرًا ..
نهض منزعجًا متجهًا إلى الباب ، فتحه ، فإذا به طفلٌ صغيرٌ أخذ يجري بسرورٍ
وسط تلك الغرفة ، أخذ يردد مناديًا فرحًا :
" [ علـــي ] .. [ علـــي ] .. [ علـــي ] "
كان ذاك شقيق [ علي ] الأصغر [ عمر ] الذي اقتحمـ الغرفة مزعجًا
أخـــاه ..
أمسك [ عمر ] كتاب الفيزياء الذي كان بمكتب شقيقه ،
أخذ يقلّب صفحات الكتاب ، فجأةً .. مُزّقَت إحدى صفحاته !
لمـ يقصد فعل ذلك ، إلا أن [ علي ] إنفجر غاضبًا على أخيه ..
أمسك كتابه ، وضرب أخـــاه في ذراعه ضربة أسالت دمعه لكنها لمـ تكن
مصحوبةً بأية أصوات ..
بقي [ عمر ] يبكي صامتًا ، أمــّا [ علي ] فلمـ يستطع كبح جماح الغضب الذي
اجتاحه فجأةً ، أخذ يصرخ ويصرخ ، إلى أن صعدت أمه إلى غرفته ...
والدته بقلق : " ما الذي يجري ؟ "
لمـ يجبها أحدٌ ، ألقت بأبصارها إلى [ عمر ] الواقف بلا حِراكٍ يذرف الدموع الصامتة ،
تفاجأت لذى رؤيتها لابنها في تلك الحال ,,
أسرعت إليه ماسحة دمعه ، وجّهت حديثها إلى [ علي ] ..
والدته : " ما الذي دفعكَ لضرب أخيكَ هكذا ؟ "
[ علي ] بعد أن هدأ قليلاً : " مزّقَ صفحةً من كتاب الفيزياء "
والدته بغضب : " أهذا كل ما في الأمر ؟!! أهذا ما دفعكَ لفعل ما فعلت ؟!
ألا يكفيكَ ما يعانيه شقيقك حتى تمدّ يدكَ عليه ؟! "
[ علي ] ببرود : " وكأنه يشعر بما يجري حوله .. "
فاجأت آخر كلمات [ علي ] أمه ، أسكتتها ، حملت صغيرها ، صمتت لهنيهةٍ ، ثمـ قالت :
" كونكَ قد وُلِدتَ طفلاً طبيعيًا ، لا يعطيكَ الأحقية أن تمدّ يدكَ على أخيكَ فقط
لأنه يعاني التخلف " .. ثمـّ انصرفت من غرفته تاركةً إيّاه ..
أجـــل ، كان [ عمر ] ابن الخامسة ربيعًا ممنّ وُلِدوا يعانون التخلف العقلي ..
ومع تخلّفه العقلي ، إلاّ أن مرضه لمـ يصل إلى أحاسيسه ،
فلطالما أحب أخاه ، لكن الأخير لمـ يعره اهتمامًا قط ..
•••
من جهةٍ أخـــرى ، وقف [ أنـــس ] أمامـ باب منزله كمن ينتظر أحدًا ليدخل ،
بدا مرتبكًا وغاضبًا في الوقت ذاته ، تارةً ينظر إلى الباب والتارة الأخرى إلى ساعة الحائط
التي أشارت إلى الساعة الثامنة من تلك الليلة ..
نظرت إلى شقيقه ..
[ .. ] : " [ أنــس ] .. اجلس .. أربكتنا يا أخي ! "
[ أنــس ] : " وأختكِ التي لمـ تعد بعد إلى المنزل ؟ منذ متى نترك فتيات هذا المنزل
يتأخرنّ هكذا ؟! "
[ .. ] : " ستعود بعد قليلٍ ، فقط اصبر .. "
[ أنــس ] بإنفعال : " قبل ساعةٍ قلتِ نفس الكلامـ .. [ إيمان ] إن لمـ تحضر أختكِ الآن
فلا تومنّي إلاّ نفسك "
[ إيمان ] : " هيي ,, وما ذنبي أنا ؟! "
[ أنــس ] : " أما كان لكِ أن تمنعيها من الذهاب ؟ "
[ إيمان ] : " والإختبار ؟ أخبرتكَ أنها ذهبت إلى صديقاتها بقصد الدراسة سويًا لاختبار الغد "
[ أنــس ] : " أكان من الضروري الذهاب لعند صديقتها تلك ؟! ... على كلٍ ، دعيها تدخل فقط ..
عندها أنا من سيحاسبها .. "
[ إيمان ] : " على رسلكَ يا رجل ، [ إيناس ] لمـ تعد طفلةً "
[ أنــس ] : " وهنا المشكلة .. كونها في الرابعة عشر لا يُحلُّ لها التأخر إلى الآن "
رنّ جرس المنزل ، أسرع [ أنــس ] ليرى من خلال العين السحرية من بالباب ،
فإذ بها [ إيناس ] ذاتها هي التي كان تدق جرس المنزل ..
تردد قبل أن يفتح لشقيقته ، أسرعت [ إيمان ] إلى أخيها ، قائلةً له :
" أرجوك .. كن هادئًا يا أخي " .. لمـ يجبها [ أنــس ] ، إنما فتح الباب ..
دخلت شقيقته ..
[ إيناس ] : " الســـلامـ عليكمـ .. "
نظر إليها [ أنــس ] بغضب ، ولمـ يردَّ عليها ، فقط [ إيمان ] هي التي ردّت على شقيقتها
السلامـ ..
نظرت [ إيناس ] إلى أختها ..
[ إيناس ] : " ما به ؟ "
[ إيمان ] : " لن تعجبكِ هذه الليلة البتة .. صدّقيني .. "
[ إيناس ] : " لمـَ ؟ "
قاطع [ أنـس ] حديث الفتاتين : " [ إيناس ] .. أين كنت ؟ "
[ إيناس ] بارتباك : " كنتُ ... عند ... صديقتي "
[ أنــس ] : " وما غرضكِ عندها ؟ "
[ إيناس ] مشيرة إلى كتبها : " أنظر .. كنّا ندرس معًا "
تقدمـ [ أنـس ] إلى شقيقته ، وقال : " فليكن ما سأقوله لكِ حلقًا في أذنك ، إن لمـ أجدكِ
بعد السادسة في المنزل بعد اليومـ ، فلا تظنّي أن الليلة ستمضي على خيرٍ "
أنزلت [ إيناس ] رأسها أسفلاً ، وبالمقابل انصرف [ أنــس ] تاكرًا الفتاتين وحدهما ..
[ إيمان] .. شقيقة [ أنــس ] الأكبر منه بعامين ،
في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية ، سوداء الشعر والعينين ، متوسطة الجمال .
[ إيناس] .. الشقيقة الصغرى لــ [ أنــس ] تصغره بعامـٍ واحدٍ فهي في الرابعة
عشر من عمرها ، فتاةٌ تتصرف على هواها بعض الشيء ، التزمت بالحجاب إلاّ
أنها كثيرًا ما تقومـ ببعض التصرفات التي لطالما أغضبت [ أنــس ] ..
لــ [ أنــس ] أربع أخواتٍ وبالمقابل هو الفتى الوحيد ،
[ إيمان ] و [ إيناس ] إحداهن ..
•••
كانت تدرس في هدوءٍ شديدٍ ، إلى أن قطع ذاك الهدوء خوفٌ انتابها فجأة ..
بدا كأنها سمعت همسًا أقرب في صوته إلى طفلٍ صغيرٍ تعرفه ..
" [ فــــارس ] ..!!! " رددت [ رانيــا ] اسمـ الطفل في خوفٍ شديدٍ واضعةً يدها على
صدرها ..
أخذت الخمار الذي وُضِعَ على سريرها لتضعه على رأسها ، فتحت النافذة
نظرت إلى البنايات في خوفٍ شديدٍ وهي تردد :
" أأنتَ بخير ؟ "
|
|
أعتذر على تأخيري بأسبوع ..
فالإختبارات ملأت الأسبوع الماضي ملأً
|
|