فصل [ كيف يتلقى المؤمن البلايا ]
من نزلت به بلية , فأراد تمحيقها , فليتصورها أكثر مما هي عليه تَهُن . وليتخايل ثوابها , وليتوهم نزول أعظم منها , يرى الربح في الاقتصار عليها وليتلمح سرعة زوالها , فإنه لولا كرب الشدة ما رجيت ساعات الراحة . وليعلم أن مدة مقامها عنده كمدة مقام الضيف , فليتفقد حوائجه في كل لحظة , فيا سرعة انقضاء مقامه , ويا لذة مدائحه وبشره في المحافل , ووصف المضيف بالكرم .
فكذلك المؤمن في الشدة ينبغي أن يراعي الساعات , ويتفقد فيها أحوال النفس , ويتلمح الجوارح , مخافة أن يبدو من اللسان كلمة , أو من القلب تسخط . فكأن قد لاح فجر الأجر , فانجاب ليل البلاء , ومدح الساري بقطع الدجى , فما طلعت شمس الجزاء , إلا وقد وصل إلى منزل السلامة .
فصل [ الإنسان بحاجة إلى رحمة الله دوماً ]
لما تلمحت تدبير الصانع في سوق رزقي , بتسخير السحاب , وإنزال المطر برفق , والبذر دفين تحت الأرض , كالموتى , قد عفن ينتظر نفخة من صور الحياة , فإذا اصابته اهتز خضراً .
وإذا انقطع عنه الماء مدّ يد الطلب يستعطي , وأمال رأسه خاضعاً , ولبس حلل التغير , فهو محتاج إلى ما أنا محتاج إليه من حرارة الشمس , وبرودة الماء ولطف النسيم , وتربية الأرض , فسبحان من أراني – فيما يربّيني به – كيف تربيتي في الأصل .
فيا أيتها النفس التي قد اطّلعتِ على بعض حكمه , قبيح بكِ والله الإقبال على غيره . ثم العجب كيف تٌقبلين على فقير مثلك , يناديني لسان حاله بي مثل ما بك : يا حِمام ! فارجعي إلى الأصل الأول , واطلبي من المسبب . ويا طوبى لك إن عرفتِهِ فإن عرفانه ملك الدنيا والأخرة .