فصل [ المنع من الله عطاء ورحمة ]
تفكرت في قول شيبان الراعي لسفيان : يا سفيان عدّ منع الله إياك عطاء منه لك , فإنه لم يمنعك بخلاً , وإنما منعك لطفاً . فرأيته كلام من قد عرف الحقائق , فإن الإنسان قد يريد المستحسنات الفائقات فلا يقدر , وعجزه أصلح له , لأنه لو قدر عليهن تشتت قلبه , إما بحفظهن , أو بالكسب عليهن . فإن قوي عشقه لهنّ ضاع عمره وانقلب هم الآخرة إلى الاهتمام بهن . فإن لم يردنه , فذاك الهلاك الأكبر . وإن طلبن نفقة لم يطقها كان سبب ذهاب مروءته وهلاك عرضه . وإن أردن الوطء وهو عاجز فربما أهلكنه أو فجرن . وإن مات معشوقه هلك هو أسفاً . فالذي يطلب الفائق , يطلب سكيناً لذبحه وما يعلم .
وكذلك إنفاذ قدر القوت فإنه نعمة , وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللهم اجعل رزق آل محمدٍ قوتاً "
ومتى كثر تشتتت الهمم , فالعاقل من علم أن الدنيا لم تخلق للتنعيم , فقنع بدفع الوقت على كل حال .