فصل [ المصطفون الأخيار ]
تأملت الذين يختارهم الحق عز وجل لولايته والقرب منه , فقد سمعنا أوصافهم ومن نظنه منهم , ممن رأيناه . فوجدته سبحانه لا يختار إلا شخصاً كامل الصورة , لا عيب في صورته , ولا نقص في خلقته . فتراه حسن الوجه , معتدل القامة , سليماً من آفة في بدنه . ثم يكون كاملاً في باطنه , سخياً جواداً عاقلاً , غير خبّ ولا خادع , ولا حقود ولا حسود , ولا فيه عيب من عيوب الباطن .
فذاك الذي يربيه من صغره , فتراه في الطفولة معتزلاً عن الصبيان , كأنه في الصبا شيخ ينبو عن الرذائل , ويفزع من النقائص , ثم لا تزال شجرة همته تنمو حتى يرى ثمرها مهتدلاً على أغصان الشباب , فهو حريص على العلم , منكمش على العمل , محافظ للزمان , مراع للأوقات , ساعٍ في طلب الفضائل خائف من النقائص . ولو رأيت التوفيق والإلهام الرباني يحوطه , لرأيت كيف يأخذ بيده إن عثر , ويمنعه من الخطأ إن همّ , ويستخدمه في الفضائل , ويستر عمله عنه حتى لا يراه منه .
ثم ينقسم هؤلاء . فمنهم من تفقه على قدم الزهد والتعبد , ومنهم من تفقه على العلم واتباع السنة . ويندر منهم من يجمع له الكل , ويرقيه إلى مزاحمة الكاملين .
وعلامة إثبات الكمال في العلم والعمل , الإقبال بالكلية على معاملة الحق ومحبته , واستيعاب الفضائل كلها , فلو تصورت النبوة أن تكتسب لدخلت في كسبه .
ومراتب هذا لا يحتملها الوصف , لكونه درة الوجود , التي لا تكاد تنعقد في الصدف إلا في كل ودود , وبين قرون وقرون .
نسأل الله عز وجل توفيقاً لمراضيه وقربه , ونعوذ به من طرده وإبعاده .