[عائِشة]

تقع مدينـہ ( رشيد ) في محآفظـہ البحيرة شمآل ( مصر ) يحدهآ من الشمآل البحر المتوسّط ، ومن الشرق فرع النيل الذي يحل اسمهآ ، ومن الغرب خليج ( أبو قير ) ، وتبعد عن الإسكندريـہ 60 ڪيلومتراً شرقاً ، ڪمآ تفصلهآ عن مدينـہ ( دمنهور ) عآصمـہ المحآفظـہ 55 ڪيلومتراً . تتوغّل ( رشيد ) في عمق التآريخ المصري القديم ، فـ ( رشيد ) نفسهآ هي مدينـہ ( بولبتين ) الفرعونيـہ القديمـہ ، أهم الثغور المصريـہ التي اهتم فرآعنـہ ( مصر ) بتحصينهآ للوقوف في وجه الغزآة ، ففي عآم 633 ق.م أقآم ( بسمآتيڪ الأول ) معسڪراً على سآحل ( رشيد ) لصد غآرآت البربريين والآشوريين ، كمآ أقآم الملڪ ( منفتآح ) استحڪآمآتـہ على الضّفة الغربيـہ من فرع ( رشيد ) شمآلاً ؛ وذلك لصد هجمآت الإغريق والصقليين ، فآنتصر المصريون في أول موقعـہ حربيـہ بين ( مصر ) و ( أوروبآ ) جرت أحدآثهآ على أرض ( رشيد ) ، وڪآنت مدينـہ ( بولبتين ) القديمـہ أيضاً سوقاً تجآريـہ رآئجـہ ، وبخآصـہ في عهد الأسرة الفرعونيـہ السّآدسـہ والعشرين ، حيثُ ورد في بعض البرديآت أن العجلآت الحربيـہ التي ذآع صيتهآ ڪآنت تصنع بتلك المدينـہ. وڪآن الاسم القبطي لـ ( بولبتين ) أثنآء الوجود الرّومآني في مصر هو ( رشيت ) ، ودخلها ( عمرو بن العاص ) رضيّ الله عنـہ ، عآم 20 هـ ( 641 م ) وعرض الإسلآم على أهلهآ فأجآبوه ، وتم الصلحُ بين ( عمرو ) و بين ( قزمآس ) حآڪم ( رشيد ) آنذآك ، وسمآهآ العربُ بعد ذلك ( رشيد ) . ومنذُ بنآء مدينـہ ( الإسڪندريـہ ) أصبح هنآك صرآع بينهآ وبين ( رشيد ) في الحصول على لقب المينآء الرئيسي لـ ( مصر ) ، ففي العصر الرّومآني ڪآنت الغلبـہ لـ ( الإسڪندريـہ ) ، لكن المسلمين الأوآئل اهتموآ بـ ( رشيد ) و ( دميآط ) لتنشيط التجآرة وسهولـہ التنقل دآخل القطر المصري ، إضآفة إلى الوظيفـہ الدفآعيـہ المعتآدة في الدفآع عن حدود ( مصر ) الشمآليـہ التي كآنت مطمعاً للأوروبيين مرحلة الحروب الصليبيـہ ، فاهتم الفآطميون بمينآء ( رشيد ) وزآدت حرڪـہ العمرآن في المدينـہ ، وقآم الأيوبيون ببنآء القلآع والتحصينآت على سآحل ( رشيد ) ، ثم بنى السّلطآن المملوڪي الظّآهري ( بيبرس ) عام 1262م حصناً في ( رشيد ) بعد اشتدآد الحملآت الصليبيّـہ التي ڪآنت تستهدفُ انحلآل ( مصر ) . ثم جآء دور السلطآن ( قآيتبآي ) لبنآء قلعتـہ الثآنيـہ في ( رشيد ) عام 1479م ، والتي قيل إنهآ شيدت على أنقآض حصن ( بيبرس ) . غير أن ( رشيد ) ڪانت على موعد مع الازدهار والتألق أثنآء العصر العثمآني في ( مصر ) والذي بدأ في عآم 1517م. وقد ارتبط ذلڪ بتدهور ( الإسڪندريـہ ) نتيجة الغزوات المستمرّة وتخريب المينآء ، إضآفـہ إلى اكتشآف البرتغآليين لـ ( رأس الرجآء الصّآلح ) وإيجآد طريق بحري لـ ( الهند ) بديلاً عن الدخول إلى ( مصر ) واستخدآم موانيهآ ، ففقدت الإسڪندريـہ أهيتهآ البحريـہ . اهتمّ العثمانيّون بـ ( رشيد ) اهتماماً فآق مدن مصر الأخرى ، فآزدهرت حرڪـہ العمرآن ، وأصبحت ( رشيد ) محوراً تجآرياً هآماً وحلقـہ الوصل بين ( القآهرة ) و ( الآستآنـہ ) عآصمـہ الدولـہ العثمآنيـہ سياسياً وتجآرياً واقتصآدياً ، ففي ( رشيد ) يمڪن أن يرى الزآئر حتى اليوم عدداً ڪبيراً من المنآزل ذآت الطّرآز المعمآري العثمآني ؛ حيث لا يزآل هناڪَ أڪثر من عشرين منزلاً أثرياً تعود جميعها إلى القرن الثآمن عشر الميلآدي ، من أهمها منزل ( الميزوني ) و ( الأميصلي ) و ( الجمل ) و ( ڪوهيـہ ) ومنزل ( حسيبـہ غزآل ) ، وغيرهآ من المنآزل الرآئعـہ ذآت الطّرآز المعمآري البديع . وبجوآر المنآزل الأثرية الرّآئعـہ شيدت المسآجدُ الوآسعـہ التي اندمج في بنآئهآ المعمآر المملوڪي الشهير بالطرآز العثمآني الّذي يتميز بالفخآمـہ ، فڪانت المسآجد في ( رشيد ) ولا تزآل تحفـہ فنيـہ نآدرة تضآرع مسآجد ( القآهرة ) المملوڪيّـہ في روعتهآ وبهآئهآ . ومن أبرز مسآجد ( رشيد ) الأثريـہ مسجد ( زغلول ) ( 1587مـ ) ، ومسجد ( المحلى ) ( 1721مـ ) ، ومسجد ( المشيّد بالنور ) ( 1764مـ ) ، ومسجد ( العبّآسي ) ( 1809مـ ) . وفي ( رشيد ) ازدهرت الصّنآعـہ أيضاً ، فـڪآنت هنآك الصنآعآت اليدويـہ ، مثل صنآعـہ ضرب الأرز وصنآعـہ المنسوجآت الحريريّـہ ، ومن الصنآعآت التي كآنت رآئجـہ في ( رشيد ) - ولا تزآل حتى يومنآ هذا - صنآعـہ السفن والمرآڪب ، وڪذلك صنآعـہ صيد السمڪ وتمليحـہ وتجفيفـہ ، وصنآعـہ المقآطف التي ڪآنت تتم صنآعتهآ من سعف النخيل ، وكآن إنتآج هذا الصنآعـہ يطلبُ في أسوآق ڪثيرة ، وڪآنت معظم منتجآتُ ( رشيد ) يصدر جزء ڪبير منهآ إلى الخآرج ؛ لڪونهآ المينآء الذي يرد إليه التجآر الأجآنب ، وترسو فيهآ السفن من ڪلّ الجنسيآت ، فيقبلون على مصنوعآتهآ ليسوّقوهآ في بلآدهم . واتسع في ( رشيد ) العثمآنيـہ النشآط التجآري ، فأقيمت الوڪآلآت التجآريّـہ التي تعني ببيع البضآئع المختلفـہ من الأرز والقمح والفول والشعير ، والتي ڪآنت بضآئع تصديريّـہ في المقآم الأول ، ڪمآ ڪآن هنآك رواج لتجآرة العسل والقصب والعجوَة ، إضآفـہ إلى تجآرة ( البقسمآط ) التي ڪآن يحتڪرهآ التجّآر المغآربـہ في ( رشيد ، فشيّدت الطوآحن ومضآربُ الأرز وأسوآق السمڪِ والأفرآن والمقآهي والحمآمآت .