[أيُّ اعتـــــــراض ؟ ]
.
.
اقتربت من نافذة غرفتها ، فتحتها بهدوءٍ شديدٍ ، ليتسلل نسيمـ الفجر العليل منها . .
وقفت أمامها ، تنظر بعينيها المزرقّتين إلى السماء التي ما زال
الليل الدامس طابعًا أثره عليها . .
ابتعدت عن النافذة ، لتتجه نحو السِّجــــادة الموضوعة على
سريرها ، التقطتها ، فرشتها باتجاه القبلة . .
لبست عِباءتها ومعها حِجابها الطويل ، وجلست على السّجادة
تترقب الأذان ليحين .. تناولت ذاك المصحف الشريف ، وجعلت
تقلّب صفحاته مرتّلة إيّاه . .
أوقف تلاوتها للقرآن صوت المؤذن يعلن عن موعد صلاة الفجر ،
أغلقت المصحف ، وبفمها قبّلته ، وخلف المؤذن رددت . .
إنتهـــى الأذان ، ومعه إنتهى ترديدها له ، قامت بادئةً صلاتها .
كبّرت . . ركعةً تلو الركعة ، وسجدةً تلو السجدة ، لتُنهي صلاتها
مسلّمة يمينها ويسارها . .
رفعت أكفّها إلـــى السماء ، تدعـــو حبيب قلبها ، تدعــو مجيب
دعوة الداعِ ، تدعـــو بارئها . .
سقطت دمعة حــــارة من عينيها المزرقتين ، على خدّها المحمر ،
لتحكي بذاك جُلَّ خوفها من ربّهـــا . .
و كعادتها خرجت بعد أداء الصلاة لفناء المنزل لتمارس رياضتها المفضلة و تردد أذكار الصبآح
على نغم زقزقة العصافير و نسيم الفجر العليل ، حتى شعرت بالوسن . .
فتحت عينها - بعد استيقاظها من نومها - لتستقرّ على الساعة
المعلّقة على الحائط ، التي أشارت إلى التاسعة من صباح
يومـ الجمعة . .
نهضت من سريرها ، متوجهة إلى المغسلة لتغسل وجهها ،
لبست ثيابها ، وخرجت من غرفتها قاصدةً مجلس المنزل ، حيث أخوها ووالدها . .
دخلت عليهمـ ، ملقية أبهـــى التحيات ، التي تلقتها من دينها
الحنيف ، وبوجهها البشوش ، حبت رأس والدها ، وسلّمت
على أخيها . .
جعلت تتنقل بعينيها في أرجاء المجلس ، لفت إنتباهها الترتيب
المفاجئ الذي حلّ به ، فهذا الترتيب لا يدلُّ إلاّ عن قدومـ زوّارٍ
للمنزل . .
اتجهت صوب المطبخ ، حيث والدتها ، قبّلت رأسها مسلّمة عليها . .
: " أمــي . . لمـ أعلمـ أننا ننتظر زوّارًا ؟!"
والدتها : " يُمنـــى .. ألمـ أخبركِ مساء البارحة أن أسرة عمكِ
قادمة لزيارتنا صباحًا ؟ "
يُمنــــى : " صحيح!! كيف نسيت ؟ طيب . . عن إذنكِ . .
يتوجب عليّ إخـــفاء الكتب الخاصة بي . . تجنبًا لسخرية بنات عمي . . "
والدتها : " ألن تتناولي إفطارك ؟ "
يُمنـــى : " أشكركِ أمّــاه . . فيما بعد سأتناوله . . "
وخرجت يُمنـــى من المطبخ قاصدة غرفتها . .
جلست على سريرها ، تفكر ، تخمن ، تترقب . .
" سخرية جديدة .. هذا ما ينتظرني ولا شك " هكذا همست
يُمنـــى محدثة نفسها . .
اتجهت صوب مكتبها ، حملت الكتب الموضوعة عليه ،
لتخفيها خلف ستارة نافذة الغرفة . .
" رائــــــع ! .. لن تتوقع أي واحدةٍ منهما مكانها " همست بهذه
الكلمات التي علتها ثقة جمّة . . .
ارتدت ثيابها ، تنّورة سوداء طويلة فضفاضة ، وقميصٌ رمادي اللون
طويل الأكمامـ .. سرّحت شعرها الأسود الطويل ، لفّته ،
لتضع فوقه حجابها . .
يتبع