موسى عليه السلام
7 – توجه موسى من المدينة إلى مدين
خرج موسى وليس في ذهنه مكان معين يتوجه إليه وهو لا يدري أين يتوجه، ولا إلي أين يذهب، وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبلها
(وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ)
القصص22
ثم هداه تفكيره إلى أن يذهب إلى أرض مدين وهي قرية شعيب وهي المدينةالتي أهلك الله فيها أصحاب الأيكة، وهم قوم شعيب عليه السلام، وقد كان هلاكهم قبلزمن موسى عليه السلام
ومدين تبعد مسيرة ثمانية أيام من مصر ولم يكن يعرف طريقها فقال عسى ربي أن يهديني الطريق الأقوم ففعل الله به ذلك وهداه إلى الصراط المستقيم في الدنيا والاخرة, فجعله هادياً مهدياً
وذكروا أن الله سبحانه وتعالى بعث إليه ملكاً على فرس أو بيده عنزة فأرشده إلى الطريق فتوكل على الله وواصل السير إليها والله أعلم
(وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) القصص 23
ولما وصل إلى مدين توجه ناحية شجرة من السمر بجوار بئر وجلس تحتها فقد سار موسى من مصر إلى مدين ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر, وكان حافياً, فما وصل إلى مدين حتى سقطت نعل قدميه, فجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه, وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع, وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه, وإنه لمحتاج إلى شق تمرة
وكان البئر يرده رعاء الشاء فوجد عليه جماعة يسقون مواشيهم ووجد من دونهم امرأتين تمنعان أغنامهما عن الماء حتى لا تختلط مع غنم أولئك الرعاء فيؤذيا
فلما رآهما موسى عليه السلام رق لهما ورحمهما وقال لهما ما شأنكما لا تسقيان قالتا لا نسقي حتى يرجع الرعاء من سقيهم ويصرفون مواشيهم من الماء خوف الزحام فنسقي وأبونا شيخ كبير لا يستطيع أن يتحمل مشقة هذا العمل
وكان الرعاء إذا فرغوا من وردهم، وضعوا على فم البئر صخرة عظيمةفتجئ هاتان المرأتان فيشرعان غنمهما في فضل أغنام الناس
فلما كان ذلك اليوم جاءموسى فرفع تلك الصخرة وحده، ثم استقى لهما وسقى غنمهما، ثم رد الحجر كما كان، قالأمير المؤمنين عمر: وكان لا يرفعه إلا عشرة، وإنما استقى ذنوباً واحداً فكفاهما.
ثم عاد مرة أخرى إلى ظل الشجرة ليأخذ المزيد من الراحة بعد عناء السفر. وأخذ يدعو ربه قائلاً:
(فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)[القصص: 24]
سمعتهالمرأتان فيما قيل، فذهبتا إلي أبيهما، فيقال إنه استنكر سرعة رجوعهما
فأخبرتاهبما كان من أمر موسى عليه السلام، فأعجب الأب بهذا الرجل الغريب وشهامته ومروءته، وأمر إحدى ابنتيه أن تخرج إليه، وتدعوه للحضور حتى يكافئه
فجاءتهإحداهما تمشي على استحياء وقالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيتلنا فصرحت له بهذا لئلا يوهم كلامها ريبة، وهذا من تمام حيائها وصيانتها
فلبى موسى الدعوة، وذهب إلى هذا الرجل الصالح، فسأله الرجل عن اسمه وقصته، فقص عليه موسى سبب خروجه من بلاد مصر فراراً منفرعون فطمأنه الشيخ وقال له أنك خرجت من سلطانهمفلست في دولتهم
وطلبت إحدى الفتاتين من أبيها أن يستأجر موسى ليعينهما لرعي الغنم فهو رجل قوي أمين
قال لها أبوها: وما علمك بهذا؟ فقالت: إنه رفع صخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة. وإنه لما جئت معهتقدمت أمامه، فقال: كوني من ورائي، فإذا اختلف الطريق فاحذفي لي بحصاه أعلم بها كيفالطريق
فعرض الشيخ على موسى عليه السلام أن يزوجه إحدى ابنتيه
وقال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج،فإذا أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشق عليك فأيهما قضيت فلا عدوان علىوالله على مقالتنا سامع وشاهد ووكيل علي وعليك
فوافق موسى على هذا الأمر وقال له ستجدني إن شاء الله من الصالحين وتزوج إحدى البنتين، واستمر يرعى الغنم عند ذلك الشيخ ولم يقض إلا أكمل الأجلينوأتمهما وهو العشر سنين كوامل تامة
ثم أراد موسى الرحيل والعودة بأهله إلى مصر، فوافق الشيخ الصالح على ذلك، وأكرمه وزوده بما يعينه في طريق عودته إلى مصر
وللحديث بقية إن شاء الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته