ثم في الرواية ان ابن مسعود نهاهم عن عد الذكر ولم ينههم عن الذكر الجماعي، ولعله كان يرى ان العد مكروه وليس محرما، فنهاهم عن ذلك ولعله نهاهم عن الانشغال بالعد عن امور واجبة كنحو طلب العلم الضروري الذي يقيهم الوقوع في الفتنة فتنة الخوارج..
والرواية حجة عليهم أيضا لأن أبا موسى الأشعري قال له: "ما رأيت إلا خيرا". وأبو موسى الأشعري الصحابي الجليل انما هو مـجتهد، فلو كان بدعة لأنكره أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، مما يدل ان مجرد الاجتماع على الذكر او الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجرد ذلك بدعة منكرة.
وإلا فمن الذي حكم على أثر ابن مسعود بأنه حسن؟
مجرد أن رواه الدارمي ليس يعني شيئا في القبول لأنه لم يلتزم الصحة كالبخاري ومسلم، أما كتاب ابن وضاح فمليء بالموضوعات، والحديث الذي رواه ابن وضاح لا يصح إسناده ضعيف، ولو صح لكان معارضا لأنه حاشاه أن يكون سمع مدح النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك منعه، ولو صح أثر ابن مسعود لكان معارضا لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ومدحه.
أما فقه ما رواه الدارمي عن ابن مسعود، فهو حجة عليهم لأنه أنكر العد -وهو مذهبه- بدليل أنه قال: ليعدوا سيئاتهم. ونبه القوم على عد السيئات، ولم ينكر عليهم اجتماعهم على الذكر، بل هذا التفسير تفسير المبتدع بلا دليل، وقد جاء ما يصحح هذا عن ابن مسعود في مصنف ابن أبي شيبة.
وأنكر الإمام الحافظ السيوطي ثبوت إنكار الاجتماع على الذكر عن ابن مسعود، وهو إمام حجة.
هذا ما قاله الإمام المجتهد السيوطي وهو أعلم بما يعارض وما لا يعارض، فكيف يفتي اولئك الجهلة في الحديث بغير علم!.
وقد أورد بعض العلماء في بعض مصنفاتهم ما هو شديد الضعف ومجرد النقل او الرواية لا يغني من جوع ما لم يصححه..
فلا حجة للوهابية بالمرة سوى تحريف الكلام بدعوى التخصيص الباطلة.
والإمام أحمد بن حنبل أعلم منهم جميعا بما يـجوز وما لا يـجوز وما هو بدعة وما ليس ببدعة:
الامام أحمد بن حنبل رضي الله عنه لما سئل عنهم قال ابن مفلح في الفروع ج: 5ص: 238:
(لا أعلم أقواما أفضل منهم، قيل إنهم يستمعون ويتواجدون)، وقال: (دعوهم يفرحون مع الله ساعة)، قيل فمنهم من يموت ومنهم من يغشى عليه فقال الآية: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون). انتهى ومثله في كشاف القناع للبُهوتي الحنبلي.
معاذ الله أن يكون الإمام أحمد بن حنبل سيّد الفقهاء والزهاد مادحا للبدعة غافلا عن هذا الأمر ثم يكتشفه قوم معاصرون ما بلغوا شيئا من علمه ولا علم تلاميذه، فحسبنا الله..
وقد أجازه ومدحه مدحا عظيما الإمام العظيم السلفي الزاهد (ثابت البناني) رضي الله عنه، فقد أخرج الإمام أحمد في الزهد عن ثابت البناني قال: ((إن أهل ذكر الله ليجلسون إلى ذكر الله، واللهِ وإن عليهم من الآثام أمثال الجبال وأنهم ليقومون من ذكر الله تعالى ما عليهم منها شىء)).
رواه الإمام السيوطي في "نتيجة الفكر في الجهر بالذكر".
وهذان النصان عن الإمام أحمد والإمام ثابت البناني حجة عليهم وعلى مشايخهم الذين سموا هذا بدعة، وهذا كذب على الأئمة.
أما البدعة فهي المخترعة نعم، وهذا ليس مخترعا بل كان ثابتا في عهده صلى الله عليه وسلم بشهادة العلماء ونصوص النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان مخترعا في عصر السلف ومدحه الإمام أحمد والإمام ثابت البناني فليس بدعة، لأنهم مدحوه من القرون الفضلى.
ولو سلمنا على سبيل التنزل أن كلمة "الذكر" تطلق على مجلس العلم وتلاوة القرءان، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم ((خرج على حلقة من أصحابه فقال: ما يجلسكم؟ قالوا جلسنا نذكر الله ونحمده فقال انه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة)).
فحمد الله هنا حجة قاطعة لألسنة المنكرين والمحرفين لحديث النبي صلى الله عليه وسلم لأن "الحمد" هو الثناء على الله بتعظيمه وتمجيده كما تقدم في الحديث، فهو نص في أن حلق الذكر الجماعي سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا مختصر جدا في رد دعوى مشايخ الوهابية ولدينا مزيد.
عبثا يحاولون، بدعة التخصيص هذه هم جاؤوا بها، أما أئمة الإسلام القدماء فقد مدحوه كالإمام أحمد بن حنبل وثابت البناني وأمير المؤمنين في الحديث ابن حجر العسقلاني والسيوطي والنووي وغيرهم.
وحديث البخاري شوكة في حلق المبتدعة الذين حرموا هذا، فإن الحديث فيه: (((يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك)))..
وهذا بصيغة الجمع، هم يسبّحون ويكبّرون ويحمدون ويمجّدون، وهذا دليل على ذكرهم الجماعي بوضوح.
وبما أنهم صححوا أثر ابن مسعود فهو حجة ظاهرة عليهم، فالجماعة كانوا يذكرون بشكل جماعي فلم ينكر عليهم ابن مسعود إلا العد بالحصى، ولم يقل لهم تفرقوا، بل تركهم مجتمعين. فهو حجة عليهم. ولو كان يرى حرمة في الذكر الجماعي لما تركهم ومضى بل لكان انكر ما يراه منكرا ولزمهم حتى فرق اجتماعهم على الذكر.
ودليل ءاخر وهو أن الصحابي المجتهد أبو موسى الأشعري رءاهم ومع ذلك قال لابن مسعود "ما رأيت إلا خيرا"، فلو كان معروفا أنه حرام لبادر إلى الإنكار، لكنه لم ينكر عليهم بل قال : ما رأيت إلا خيرا.
وليعلم المسلمون أهل السنة أن من حرّم الذكر الجماعي فقد ابتدع وخالف الأحاديث الكثيرة التي منها هذا الحديث الذي مر في البخاري، والحق أحقّ أن يتبع.
وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم في شرح هذا الحديث:
(وفى هذا الحديث فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم). انتهى.
فالحمد لله ان وفقنا الى الهدى والحق وخذل الوهابية الجفاة النفاة اعداء الصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
والحمد لله الذي وفقنا الى ان روينا بالاسناد المتصل الى الامام البخاري محمد بن إسماعيل يقول في صحيحه: حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلمُّوا إلى حاجتكم. قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم، وهو أعلم منهم، ما يقول عبادي؟ قال: تقول: (((يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك)))، قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً وأكثر لك تسبيحاً، قال: يقول: فما يسألونني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً، وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم، إنما جاء لحاجة. قال: (((هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم))). انتهى.