بعد أن انتهينا من رحلة رائعة مع تاكيو اوساهيرا وبعد ان تعلمنا منه ان الفشل بداية كل نجاح
وليس الفشل مرة.. ربما الف مرة .. ولكن النهاية مشرقة :)
هيا لنبحر إلى رحلة أخرى مع بقي بين خلد الأندلسي العظيم كذلك ..
لنرى ماذا عمل وماذا قدم..
[الجزء الثالث]
بقي بن خلد الأندلسي
يحدث بقي بقصته فيقول :
رحلت ماشياً على قدمي من بلدي الأندلس ( تدعى اليوم اسبانيا)
فذهبت إلى مكة ثم بغداد ـ الطائرة تحتاج إلى 6 ساعات حتى تقطع هذه المسافة ــ
فكم من الشهور مشى بقي بن مخلد حتى يقطع كل هذه المسافة ؟؟!!
كان همي ملاقاة الإمام احمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ
فلما دخلت بغداد بلغتني محنته وما حل به وأنه ممنوع من ملاقاة الناس فاغتممت غماً شديداً ..
لقد سجن الإمام أحمد سنتين وأربعة أشهر في مسألة خلق القرآن ورفض الخليفة المأمون ومن بعجه الخليفة المعتصم والخليفة الواثق على القول بأن القرآن مخلوق . فسجنوه وعذبوه .
وفي هذا يقول الأمام أحمد بن حنبل :
لما جيء بالسياط نظر إليها المعتصم وقال : ائتوني بغيرها ثم قال للجلادين : تقدموا فجعل يتقدم إلى الرجل فيضربني سوطين فيقول له : شد قطع الله يدك ، ثم يتنحى ويقوم آخر فيضربني سوطين وهو يقول في كل ذلك : شد قطع الله يدك ، فلما ضربت 19 سوطاً قام إلي وقال : يا أحمد علام تقتل نفسك ؟! إني والله عليك لشفيق ، أتريد أن تغلب هؤلاء ؟ وجعل بعضهم يقول : ويلك الخليفة على رأسك قائم .
وقال بعضهم يا أمير المؤمنين ، دمه في عنقي ، اقتله ..
فقال المعتصم : ويحك يا أحمد ما تقول ؟
فأقول : أعطوني شيئا ً من كتاب الله أو سنةرسول الله أقول به .
فرجع المعتصم وجلس وقال للجلاد : تقدم وأوجع قطع الله يدك .
ثم قام المعتصم الثانية فجعل يقول : ويحك يا أحمد أجبني فجعل الناس يقولون ويحك الإمام على رأسك قائم ..
والمعتصم يقول : ويحك أجبني إلى أي شيء لك فيه أدنى فرج ..
حتى أطلق عنك يدي ..
فقلت : يا أمير المؤمنين أعطوني شيئا من كتاب الله فيرجع ويقول للجلادين تقدموا فجعل يضربني سوطين ويتنحى . قال أحمد ابن حنبل : فذهب عقلي ..
قال أحمد بن داوود : دخلت على أحمد الحبس قبل الضرب .
فقلت : يا أبا عبد الله عليك عيال ولك صبيان وانت معذور كأني أسهل عليه الإجابة ـ فقال لي :
إن كان هذا عقلك يا أبا سعيد فقد استرحت .
وبعد الضرب الشديد والسجن خاف المعتصم أن يموت الإمام أحمد بين يديه فيثور عليه الناس فرفع الضرب عنه وسلمه لأهله فبقي مختفياً طوال مدة الخلافه للمعتصم والواثق ..
اشتد الواثق في مسألة خلق القرآن كثيراً وساعده على ذلك وزيره أحمد بن داوود اللذي استولى على الواثق وحمله على التشدد في المحنة ..
ودعا الناس إلى القول بخلق القرآن استمر الواثق على ذلك حتى مل المحنة وسئمتها نفسه فرجع عنها في آخر عمره .
فجائه رجل من بلاده يُحمل مكبلا بالحديد للواثق يسأله هذا اللذي تقول من خلق القرآن شيء علمه الرسول وأصحابه أم جهلوه ؟
قال الواثق : بل علموه .
قال الرجل :هل دعوا الناس إليه أم سكتوا ؟
قال الواثق : بل سكتوا .
قال الرجل : فهلا وسعك ما وسعهم من السكوت ؟
فبهتوا .. وضحك الواثق وقام قابضاً على فمه وهو يقول هلاّ وسعك ما وسعهم ويكررها .. ثم أمر للرجل 300 دينار ويرد لبلاده .ولم يمتحن أحد بعدها .. وسخط الواثق من احمد ابن داوود من يومئذ .
تابع بقي الأندلسي حديثه ..
فيقول : أجرت بيتا أنام فيه وفي فجر اليوم التالي دخلت مسجدا فإذا برجل يتكلم في الرجال ـ
أي أنه يتكلم عن علم الرجال وهو العلم الذي يهتم بحال رواة الحديث ..
فقيل لي انه يحيى بن معين صاحب الإمام أحمد بن حنبل ورفيقه في طلب العالم ..
فحاولت التقرب منه ففرجت لي فرجة فدنوت منه وقمت إليه فقلت له : يا أبا زكريا رحمك الله رجل غريب وبعيد عن وطنه يحب السؤال ولدي الكثير من الأسئلة فاصبر علي يا يحيى ..
فقال : قل .. فسألت عن بعض من لقيته ... وأطلت السؤال .. فصاح بي تلاميذ الحلقة .. يكفيك رحمك الله غيرك له سؤال ..
فقلت : لم يبقى إلا سؤال عن رجل واحد هو . أحمد بن حنبل ..
فقال لي يحيى بن معين ..: ومثلنا نحن نكشف عن أحمد ! ذاك إمام المسلمين وخيرهم وفضلهم فخرجت من المسجد من فوري أستدل على منزل أحمد بن حنبل .. فدللت عليه .. فقرعت بابه .. فخرج لي ..
فقلت يا أبا عبد الله رجل غريب بعيد وطنه هذا أول دخولي هذا البلد وأنا طالب حديث ومقيِـِد سنة ، ولم تكن رحلتي إلا إليك لأتعلم منك ..
فقال لي : وأين موضعك ؟
قلت : المغرب الأقصى .
قال : إفريقية .
قلت : أبعد منها .. أجوز من بلدي البحر إلى إفريقية بلدي الأندلس ..
قال : إن موضعك لبعيد .. وما كان شيء أحب إلي من أن أحسن عون مثلك .. وأبذل لك كل ما أستطيع غير أني ممتحن بما لعله قد بلغك ..
وأنا الآن لا يسمح لي بملاقاة الناس والتحدث إليهم ..
فقلت : لقد بلغني وهذا أول دخولي بلدكم وأن مجهول العين عندكم لا يعرفني أحد فإن أذنت لي أن آتي كل يوم في ثياب الفقراء فأقول عند بابك :" الأجر رحمك الله " فتخرج إلي فلو لم تحدثني كل يوم إلا حديثاً واحداً لكان لي فيه كفاية .
فقال لي : نعم ..على شرط ألا تظهر في الناس ولا يتعرف عليك أحد ..
فقلت : لك شرطك ..
والتزمت ذلك وكل يوم يحدثني الحديثين وتالثلاثة حتى مات الواثق ..
فخرج إمامنا على الناس لأنه ولي من كان على مذهب السنة الخليفة المتوكل ..
فرفع المحنة واستقدم المحدثين ..
ونصر المتوكل أحمد بن حنبل وظهر أحمد وعلت إمامته وكانت تضرب إليه آباط الإبل ..
لم ينس الإمام أحمد معاناتي فكان يعرف لي حق صبري .. ومرت الأيام على تلك المكانه لإمامنا أحمد حتى أصابني مرض فأرقدني سريري فقام من فوره مقبلا علي وانا مضطجع لى سريري وكسائي علي وكتابي عند رأسي فسمعت الدار قد ارتجت بأهلها ..
فدخل الإمام ومن معه .. فما زادني على هذه الكلمات قال لي :
يا أبا عبدالرحمن أبشر بثواب الله ، أيام الصحة لا سقم فيها وأيام السقم لا صحة فيها .. أعلاك الله إلى العافية ومسح عنك بيمينه الشافية ..
فرأيت الأقلام تكتب لفظه ثم خرج عني ..
وأتاني أهل الدار يخدمونني ولو كنت عند أهلي ما كانوا أكثر منهم في تمريضي ..
هكذا بقي بن مخلد الأندلسي ..
قام برحلتين لمصر والشام و الحجاز وبغداد طلبا لعلم ..
الرحلة الأولى 14 عاما والثانية 20 عام .. وقد كان ارتحاله كلهمن الأندلس وعلى قدميه !! نعم والله على قدميه !!
======
قراءة ممتعة غالياتي ..
ولي عودة إن شاء الله