السلام عليكم و رحمة الله.
يا سلام على هذا الحوار الجميل و الذي نتمنى أن نخرج منه بما يحسن شرائعنا و عقيدتنا و ما يرد بنا الى جادة الصواب يا رب اَمين.
جزاك الله خيرا أختي "سوسكا" على الادلة التي سردتها في تدخلك السابق الدالة على تحريم الاختلاط و لكن هنا أقول أن العلماء اختلفوا في الحكم الشرعي للإختلاط فكما اعتمد بعضهم على أدلة من القراَن و السنة في التحريم القاطع للإختلاط اعتمد البعض الاَخر على أدلة كذلك من القراَن و السنة في تجويز بعض أنواع الاختلاط و أسرد لكم الرأي المخالف كما جاء في فتاوى بعض علمائنا:
الدليل الأول :
* {رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُريَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ لْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ لصَّلاَةَ فَجْعَلْ أَفْئِدَةً منَ النَّاسِ تَهْوِيۤ إِلَيْهِمْ وَ ارْزُقْهُمْ منَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }
فهاهي هاجر , تختلط بالقوم من جرهم فهل ذمها القرآن ؟هل أنكر عليها اختلاطها بالقوم ؟ وقد ذهب إبراهيم عليه السلام ولم يترك معها محرما .فكيف يفعل ذلك لو كان هذا الامر لايجوز ؟ وهو النبي! ولو كان الأمر منكرا فلماذا , لم ينكره القرآن ؟! بل و لماذا أمر الله تعالى - بحكمته المطلقة - نبيه و خليله بترك زوجته هاجر بدون محرم ؟
(2)
* (وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ باِلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ )
وأَمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ ياٰوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِا للَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْل الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ }هود 73
قال ا بن كثير :
{فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ }فذبحه ثم شواه في الرضف وأتاهم به فقعد معهم وقامت سارة تخدمهم فذلك حين يقول ـ وامرأته قائمة وهو جالس ـ في قراءة ابن مسعود {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } فقعد معهم وقامت سارة تخدمهم فذلك حين يقول ـ وامرأته قائمة وهو جالس-
قال بذلك :من المفسرين الطبري والقرطبي .فكيف يقبل إبراهيم عليه السلام ان تخدم امرأته الضيفان وهو جالس اذا كان الامر محرما ؟! و إذا كان الأمر محرما في شريعتنا فقط فكيف يقره القرآن بذكره ولاينكره ولاينسخه ؟
* {فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَب نَجنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السَّبِيلِ * وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً منَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظل فَقَالَ رَب إِني لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } القصص اية21
ففي تفسير التحرير والتنوير ص101 -ط - دار سحنون يقول المؤلف :وللجزم بأنه شعيب الرسول جعل علماؤنا ماصدر منه هذه القصة شرعا سابقا ففرعوا عليه مسائل مبنية على أصل : أن شرع من قبلنا من الرسل الإلهيين شرع لنا ما لم يرد ناسخ . ومنها مباشرة المرأة الأعمال والسعي في طرق المعيشة , ووجوب استحيائها .وفي هذه الآية دليل لها من الكتاب عند القائلين بأن شرع من قبلنا شرع لنا.وفي إذنه لابنتيه بالسقي دليل على جواز معالجة المرأة أمور مالها وظهورها في مجامع الناس ,إذا كانت تستر مايجب ستره , فإن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكاه شرعنا ولم يأت من شرعنا ما ينسخه . انتهى كلام المؤلف
قال بن كثير في تفسيره :
أي تكفكفان غنمهما أن ترد مع غنم أولئك الرعاء لئلا يؤذيا، لضعفهما
فلما رآهما موسى عليه السلام رق لهما ورحمهما {قَالَ مَا خَطْبُكُمَا } أي ما خبركما لا تردان مع هؤلاء ؟
{قَالَتَا لاَ نَسْقِى حَتَّىٰ يُصْدِرَ لرّعَاء }أي لا يحصل لنا سقي إلا بعد فراغ هؤلاء {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } أي حال فهذا الحال الملجىء لنا إلى ما ترى، قال الله تعالى: {فَسَقَىٰ لَهُمَا }
وليس كما يقول بعض الجهلة إنهما كانتا منزويتان حتى لاتختلاطا بالرجال
* قال تعالى :
{قَالَتْ يٰأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ * قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِني مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ } النمل اية 33
انها بلقيس( ملكة سبأ) اليمن تلتقي بأعضاء مجلس الوزراء بدون دائرة تلفزيونية وتقرر الهدنة وكانت في هذا القرار أحزم وأعقل من رجال دولتها وقد صدقها القرآن وهاهي تختلط بهم اختلاطا مباشرا .فلماذا لم يشر القرآن الى تحريم هذا الاختلاط ولماذا لم ينكره أو ينسخه ؟!!
و لعلمائنا الأفاضل أدلة أخرى كثيرة.
و خلاصة القول في هذا الموضوع إن قضية الاختلاط بين الرجل والمرأة من القضايا الشائكة التي كثر حولها الكلام والحديث وحدث فيها كثير من خلط الأوراق بين مؤيد للاختلاط المحرم وداعيًا إليه ومرغبًا فيه، بل إن هناك من يدعو إلى المحرمات الظاهرة والفواحش البينة تحت دعوى رفع الظلم عن المرأة المسجونة في سجن الرجال، أوإن شئت قلت في سجن الدين، و هذا طبعا خطأ فادح و فادح جداوبين أطراف أخرى يجعلون المرأة كالعصفور الحبيس داخل القفص، ويحاول أن يقنعه أن هذا القفص جميل ولا بد أن يموت بداخله مهما كانت الظروف.
و هنا لا بد لنا أن نفرق بين الاختلاط المحرم، وبين الاختلاط لحاجة من حاجات المرآة، وكذلك ليس معنى منع الاختلاط أن ننشئ مجتمعًا للرجال وآخر للنساء. فهذا لم يكن في عصر من عصور الإسلام، بل نريد مجتمعًا يعيش فيه الجميع بلا فتنة ولا ريبة، فالمرأة تتحرك بلا حرج و لكن
وفق الضوابط الشرعية لقضاء حاجاتها.
و لكي نفهم هذا الهدي فلا بد لنا أن نتأمل قول الله - عز وجل - في سورة القصص على لسان ابنتي شعيب حيث قالتا:
{لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23].
ـ وهكذا سجل القرآن هذا المشهد الجليل، عبرة لأولى الألباب، وعظة للنساء
وكيف يكون خروجهن؟
فليس الخروج بلا سبب وبلا حاجة، بل هو ضرورة ملحة وحاجة ماسة، خروج
لا اختلاط فيه ولا زحام ولا فتنة فيه ولا إغراء، خروج كله عفة وطهر واحتشام.
ـ إذن ليست العبرة في الخروج ولكن سبب الخروج وكيفية الخروج، ولكن انظر إلى المقابل للواقع البائس للمتحررات من الدين والفضيلة في هذا العصر وقد عجت بهن الشوارع والطرقات، واكتظت بهن المكاتب والحافلات، تاركات البيوت وتربية الأجيال، على غير شيء يجنينه غير ضياع الأولاد، وإهمال حقوق الأسرة وتشتت الشمل هنا وهناك، وغابت أمور كثيرة من العفة والتستر وراحة البال!
ـ امتلأت الشوارع بالفتيات، كأنهن عارضات أزياء، يتقلبن في أردية الغرب، نافرات من لواء الإسلام العفيف، مقتديات بكثير من نساء الفن الهابط، بعيدات عن سيرة الصحابيات في صدر الإسلام.
ـ إن الإسلام لا يحرم على المرأة الخروج لحاجة وسبب مهم، سواء أكان للتعليم أو للعلاج أو زيارة مريض أو صلة رحم، أو العلم إن كان هذا العمل مباحًا خاليًا من المحرمات الشرعية لا بد أن يكون هذا العمل أيضًا مفيدًا للمرأة وللأمة على حد سواء.
ـ وفي المقابل انظر ماذا جلب لنا الاختلاط من النظرات المحرمة، وكثيرًا من الكلمات الفارغة، فتعددت قصص الحب والغرام، وغضب كل زوج على زوجه فقل الحب في البيوت، وكثر على قارعة الطريق، وفي مكاتب العمل، وقاعات الدروس.
ـ لقد دخل كل واحد من هؤلاء في مقارنات خاطئة، وقد زين الشيطان فيها نساء الخارج ورجاله وقبح زوجات البيوت ورجالها، فكثرت النزاعات، وارتفعت الشكاوى والأصوات، هذا بالإضافة إلى تيسير الفاحشة على الشباب والفتيات وهذا كله أضاع جهد الأمة وشتتها، فلا المرأة جلست لأداء دورها ورسالتها، ولا الرجل خرج إلى عمله وإلى جهاده، بل خرج كل منهما يفتن الآخر ويضيع عمره وجهده ويشغله عما ينفعه، بل انقلبت محاريب العلم إلى ملاهٍ ليلية ونوادي للعشاق وصالات لعرض الأزياء فبعد المجتمع المسلم الجاد المجاهد عن أهدافه وطموحاته وراح يلهث وراء السراب والضياع. و هذا ليس لانتشار الاختلاط بل انتشار الاختلاط المحرم بصفة خاصة بما فيه من تسيب و استهتار و تخلي عن القيم الاسلامية السمحة.
ولو امتثلت النساء إلى قول بنتي شعيب في حيائها وعفتها لصلح المجتمع وجمع شمله وتوجه نحو هدفه.
في الاخير أشير لكن اخواتي أننا في دول المغرب العربي بصفة عامة لا نتوفر بتاتا على مدارس مخصصة للفتيات بل جميع ثانوياتنا مختلطة مما يجعلنا أمام أمرين أحلاهما مر إما ترك الدراسة بدعوى عدم ااختلاط مع الذكور أو خرق الحكم الشرعي.... فماذا نفعل؟؟ و لا يتسنى لنا الدراسة خارج البلاد لعوائق كثيرة ..... فبتحريمنا للاختلاط حرمنا جل بنات المغرب العربي من التمدرس و طلب العلم و حكمنا عليهن بالجهل و الأمية أفلا يجوز لنا اذن أخواتي أن نأخذ باَراء بعض علمائنا الذين يجيزون الاختلاط الشرعي المشروط بالضوابط الشرعية؟؟ ...
لكم سرني أخواتي محاورتكم و لكم أتمنى أن نخرج في الأخير بقرار محكم بناء على مجموع الادلة المطروحة. في انتظار ذلك أترككم في أمان الله.
أختكم في الله:جبارة الخواطر.